الأحد، 24 فبراير 2019

ذات حنين..فادية حسون .

ذات حنين.... سألتُ جوارحي عن روحي.. أين هي ؟
فقالت: لقد تأبطت شوقًا وخرجت...
خرجت تفتش في أزقة قريتي الحبيبة عن العم الطيب أبي حسين .. الذي كان يجوب الحارات القديمة.. معلّقا سلّة القش الصديقة على ساعده الأيمن.. وينادي بملء صوته ذي التواترات العفيفة : ( معلّل... قضامي... بزر.. دروبوس... علك .. )
ويسارع الأطفالُ للالتفاف حوله قابضين في أكفهم الصغيرة على( الخرجية ) التي لم تكن تتعدى القروش العشرة.. وكان يناولهم مبتغاهم بوجهه السمح ذي الأخاديد التي تروي قصة كفاحه البطيء كي يحصل على لقمة عيشٍ نظيفة مغمسة بماء الإباء....
أذكر جيدا كيف كنت أطرب لسماع صوته حين يمر من أمام بيتنا.. فأنظر إلى وجه أمي نظرة تفهمها عن ظهر قلب.. فتسارع إلى محفظة نقودها وتناولني القروش العشرة لأهرع مسرعة كي أدركه قبل أن يبتعد عن حيّنا... لازالت ذاكرتي الوفية ترفض التنكّر لوقع خطوات العم أبي حسين التي لاتزال تعشش في تلافيف روحي ... تلك الروح التي لاتزال تحتفظ بأغلى الذكريات...
أما وفي شهر رمضان الخير فقد كان جسدُ العم أبو حسين يتجافى عن مضجعه في وقت السحر ليخرج ممسكا بعكازه الوفي.. و يصدح في أحياء قريتي ليوقظ الناس لتناول السحور .. مناديا بصوته الذي مازال مخزّنا على بطاقة ذاكرتي الطفولية : يانايم وحّد الدايم...قوموا على سحوركم.. جاي رمضان يزوركم.... وكان ينادي بأسماء أصحاب المنازل كي يتنبهوا ويستيقظوا .. وكأن صوته قنديلٌ تنار به البيوت على التوالي ما إن يمر بجانبها .. لكن سلته الحبيبة لم تكن فارغة أبدا.. لأنها كانت تنعم ببعض التمر وأشياء أخرى...
والآن... أين ذهبت عماه الطيب ؟
اشتاقت أسناني لقضم حبّات المعلل اللذيذ.. صحيح أنه متوفر الآن وبكثرة... لكن نكهته خاليةٌ من ابتسامتك وأنت تناولنيه ..
ومن نبرات صوتك وأنت تروّج له بتودد لا أنساه ما حييت... اشتقت لقرقعة النقود في كفك الطاهر وأنت ترجّها فرحا بربحك الحلال.. ولسلّتك الغائرة في أنفاق الحداثة التي التهمت كحية رقطاء كل تفصيل جميل...

روحي تشتاق لسلتك وصوتك عمي الطيب ...
فادية حسون ..
لا يتوفر وصف للصورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق