الاثنين، 15 أكتوبر 2018

طفولة على الهامش،،،إدريس بندار

طفولة على الهامش
°°°°°°°°°°°°°°
مقطع من رواية " لن أموت كما تأمرين " لإدريس بندار.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

كانت تنتابني أسئلة حول ما يجري من تفاعل وتباين ومواجهة لاشعورية بيني وبينها وضمور عواطف واشتعال أخرى ،حيث السكون وبرودة العواطف السابتة وثورات الأحلام الخافتة ،كان جسدها الضاج بالأنوثة جوهر كل الأسئلة ،لماذا كنت أخاف من رؤية تفاصيله ؟ والجواب بكل بساطة هو أني لم أعهد مثل هذه المواقف التي أعتبرها حرجة ،معرفتي بالجسد تبقى محصورة فقط في خيالات صغيرة كنت أسترقها من تلفازنا العادي في غياب الأب ،أو أقرأها لوحدي في كتب صفراء كانت بمكتبتي المتواضعة ،كانت عائلتي شبه محافظة ،أو بمعنى أدق تخضع لأنظمة التقاليد والأعراف بكل صرامة ،فنبقى نحن الأبناء ذكورا وإناثا على هامش الاهتمام ... لا لغة تساير عصرنا ،لا كلمة تخفف فظاظة الشارع ولغته المبتذلة ،ولا يدا تُمَسِّدُ شعورنا الكثة أو تربت على أكتافنا المتعبة ،كنا كزهور برية تسامت أوراقها بيد العبث ، حتى مدارسنا كانت تكرس التنافر بين الذكور والإناث فأصبحت بذلك لغة الشد والجدب والحرمان هي اللغة السائدة بذل لغة الانسجام والتمازج الشعوري ،فيبقى همنا في المدرسة بهذا الأسلوب ليس التحصيل ،بل التفكير في كيفية كسب ود زميلة أو الظفر منها بابتسامة تكون هي الزاد العاطفي .
ما حصل إذن مع هدى نوار هو أمر طبيعي وتحصيل حاصل، فكانت كلما قبلتني ازداد وجعي رعونة ،وهو ليس وجعا بقدر ما هو عوائق الخجل التي تحولت بفعل التراكم إلى رقابة ذاتية صارمة ،كنت أراقب أمي في تنقلها عساني أرى الجنة تحت أقدامها،لكني لم أر سوى تجاعيد قديمة كانت نتيجة مشيها في الحقول حافية. كنت أحلم أن أصير طفلا مثل هدى في هندامها ونظافتها، وأن ألعب بلعبها، وأفترش مثل فراشها المزدان بالألوان،وأسكن ولو لبرهة بيتها المغمور بالهدوء الطفولي.وفي غمرة لعبنا، كانت تنبعث مـــني روائح عطـــــنة، بقايا الإسطبلات والمزابل المترامية الأطراف في بلدتي ،وتنزع برفق من عنقي بعض القملات النشيطة دون حرج وتقبلني بالرغم من عفونتي،وأنا الآن أمام مقصلة جميلة اسمها هدى.
رأيــت صورتها بالأمس في الجريدة قرب قصيدتها، و أندهشت لهذا التحول المثير وسبحت الله على قدرته.
"هدى". قصيدة لم تكتب بعد، كلماتها مواعيد لا مسطرة، وكأني لست أنا، ما هذا اللهب البارد المنـساب من عــيون كالبارود المشتعل أبدا؟ ما هذه النبوة القاتلة بفتنتها؟إلهة تسبح لها الكلمات والحروف ،غرقت ساعات طوال في تملي الرخام الذائب من رأسها إلى أخمص قدميها،أنا الآن أمـــــــام معضلة حقيقية ،بين الكأس وجنون الشرب...

إدريس بندار
°°°°°°°°°°

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق