الأحد، 21 أكتوبر 2018

وقوف على قارعة الجرح الاندلسي ،،،عيسى بلعلياء / الجزائر

وقوف على قارعة الجرح الاندلسي
** **
وقفتْ ...
لستُ أذْكُرُ ...
أهيَ الّتِي وَقَفَتْ ...
لست أذكر سيدتي
هذه سفني ...
والمقاليد في أول البحر تضطربُ
وقفت والثلوج تغطي دمي
ودمي تحتها في الشرايين يلتهب
أرسلت شعرها في الفضا
لاهثا كقطيع المها
فتبدى الطريق الجلي الى سدرة المنتهى
وقفت والنجوم النواعس آفلةٌ، غيرةً تحتها
كم تميس بِها وَلها
كم تسافر فيك طيوري الى حتفها
وتموت على صدرك الكلمات
كم تدفق فيك الهوى رعفا
وتكسّر موجي على صخرة الامنيات
وقفت ...
سقطت مدنٌ...
سقط الشجرُ.
سقطت في دمي كل أسئلة العشق
والجرح صار بلادا
وصار مدادا
وصار امتدادا
لكل الزهور التي انتحرت
في لظى شفتيك
احتراقا بملح البحار ونار المطر.
وقفت
ساحل البحر الأبيض المتوسط
يمتدُّ فيها، يُحاصرها
وهي ترسمُ فوقَ الرمال خريطةَ أندلسٍ
تُنشِئُ المدنَ
ترسل السفنَ
ترسل السفن الورقية في البحر،
ترفع طيّارة لعنان السماء
تقص ضفيرتها،
وتوزعها بين كل الجيوش
وتنتظر الراحلين الى الجنة العاليهْ
قَدِمَتْ موجةٌ ...
مسحت رسمها
خثّرت دمها العربي:
ألا افْتحي الحَفل أيتها المدن الغافيه
إن للريح بالقلب تَنْهِيدَة ثانيهْ.
وقفت ...
برق البصرُ
خسف القمرُ
جُمِع الشمسُ والقمرُ
سقطت دمعةٌ
سقط المطرُ...
لَسْتُ أدْري عَلَامَ يُفَاجِئُكِ العِشقُ
يا طفلةً عَلِقتْ
خَلْفَ جَوَى النَّسَمِ الأنْدَلُسِيِّ
خلف الحدودِ
أيها الوَجَعُ الْمُتَمَرِّدُ في مَوْسِمِ الْمَوْلِدِ الْكَرَزِيِّ
كَفَيْضٍ تَضِيقُ به مَلَكَاتُ السدودِ
أيها الوجع النائم المُتَخَثِّرُ
قبل انفجار الرعودِ
أيها الوجع الواقف المُتَجَبِّرُ
رفقا بهذا الملاكِ الصغيرِ
ورِفْقاً بهَذي الخُدُودِ.
وقفت ...
عابر عي الممر المؤدي اليك
وقنطرة الليل أرجوحة
أبعدت طائر الحلم
واستدرجت كل أشجانك
لشباك هذا الليل،
والليل متكئ في دمي
يتعاطى المواجع مشرعة
والهموم القديمة.
أعبر الليل
والحلم يحفر في القلب أوجاعه
ويغادره قطعة من أديم الثرى
أدمنت وجه حلكتها
وتناهت بأوردتي
ذكريات أليمه.
وحين يعبرني الشوق تعصمني
تحت شمس الظهيرة بعض القصائد
والكلمات التي لم تزل بالفؤاد مقيمه.
ما أشد الظلام
وانت على حافة الممكن
يتوقد فيك رماد الطقوس
كقداس راهبة آمنت بالهوى شركا
وبألوهية الرب المستديمه.
تنام على بؤرة للتفاسير
أطياف ذكرى
وينسلخ البوح محتدما
هاربا من رتابة أزمنة
مستحثا قرى لحظات عديمه.
وقفت ...
لست أذكر أهي التي وقفت
أم أنا في كومة المجريات
كأني أقترب
كل شجو
وإن بات بالليل يجمعني
فهو فيك أريب ومقتضب
رُحْتُ أسرد قائمة للفتوحات
مفتخرا بالذي أنجزته العرب
المرافئ نائمة فوق كف السماء الممدّد
بين الصخور وبين الاثير
أيقظتني سحائب دخان مركبة
النسيم يعطر من شبق صفحة الماء
العشب يستشرف القادمين
يوزع رائحة لاحتراق السفين الأخير
أنا العربي الذي جاء بالشمس
من نبعها الازلي المنير
أنا العربي الذي جمّع الموج عند السواحل
حتى استطال طريقا
الى ظلمات الشمال الكبير
أنا العربي الذي فتح البحر
مقتديا بالنوارس حين تطير
أنا العربي الذي وسّع الانتماء
الى ضفة عجنت في الأقانيم أربابها
طوطما من أديم السعير.
يوم تمّ العبور
توقفت الشمس في أفقها
عند "وادي الكبير"
لنغسل أحلامنا بالمواعيد في الشفق المستدير
غير أني رجعت
كما امرأة طالق
تاركا كلّ أوردتي
كل أفئدتي، كل أمتعتي
عدت مشتعلا بالهزائم والمنكرات
وبعض العزاء الفقير
حين غادرت غرناطة
ودّعتني السواحل باكية
وعلى شفتيها بقية أدعية
وكلام كثير...
كثير... كثير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق