السبت، 28 أكتوبر 2017

و بتُّ قريرَ العين،،،،،،الشاعر احمد بو قراعة

و بتُّ قريرَ العين
كانت ليلة صاخبة و طال فيها السّمر.فهؤلاء النّاس أشدّ خلق الله اطمئنانا إلى عين القضاء و نسبة في القدر .فما بهم رهبٌ و لا فزعٌ ممّا قد يكون قضاء مسلّطا مصيبا .وهم يعرفون حقّ العرفان أنّ ذلك السّهم الخفيّ لا يخطىء رميه أبدا.لذلك لم يخلُ هذا المكان منهم رغم الإنذار و التحذير.و زاحمتْ الطاولة جارتها و لم يشتك أحدٌ من زحام .و لم يصرخ شاربٌ في وجه سكران,و لم يخبّىء كأسٌ عن رفيقه في الجيب دينارا كما يفعل الصّاحي اليقظان ,ففي الكاس كرم و عطاء و سخاء,و ما ذاك الصّخب إلاّ ساعة تُثْقلُ فيها الخمرة الأسماع فيصيح اللّسان رفيقا مترفّقا و منبّها .هم الوفاء, وفاء لمكان لا يقربه آكلو النبتتين الخبيثتين الكريهتين و أخواتهما,فلا يدخل ذلك المكان فاعل و لا يدخل في أهله.
كان اللّيل يشير إلى منتصفه , و كنتُ أشير _رئيسا على العملة_بأن يصلحوا المكان تطهيرا لغد.و إذ كنتُ اصغرهم ,و كانوا يحترمون اضطرار المُتَعَلّم يدفعُ عنه الفقرَ, كنتُ العاملَ و كانوا جميعا الرّئيس في أدب ليس في الشّارع مثله. و ذبُل النّور و لم يبق معي سوى أعبّهمْ للماء و أملئهم بطنًا و رأسًا و أملحهم حديثا وأطيبهم نفسا و أنصفهم رأيا و أكثرهم أدبا فلاطفته أستظرف لطائفه و رافقته رفقا ثمّ ودّعته وديعة مطمئنّة راضية إلى الشّارع.
كان الشّارع أخلى من فؤاد أمّ موسى .و كان أحلى منظرا و أهدأ روحا و أطيب نفسا و ريحا .لقد تركه الطّيبون للنّهار و لدونهم.عُجْتُ منه إلى آخر تطلب رجلي ثَنيَّةَ بيتي.لم تكن ثمّة عين ترقبني فتخيفني و لم يكن بعقلي خَدَرٌ فمزّة من ذا و مزّة من ذاك و طرْفُ لسان من آخر و حَسْوَةٌ من غيره قد أكسبوا عقلي و جسمي تعوّدا و مناعةً فما ارتخى لي عودً و ما ثَقُلَ سمعٌ و ما احمرّ بصَرٌ.
و لمّا كادت رأس الثنيّة تومىء من بعيد إلى بيتي رأيتُ شبحا ملفوفا قدّام باب و سمعتُ أنينا .و سمّرَ توجُّعٌ قدميَّ ,و ألجمتْ طيبةٌ من ريح تلك الأنفس القائمة ليلا إلى الكأس رجليَّ فتفتّحتْ عيني ترى وجْهًا جميلًا يَتَعَذَّبُ. و قرّبْتُ يدي فسارعتني إليها نفسي محمولة على ألْطَف أوجاع السّكارى و أرهف خيالاتهم فرأيْتُ الموتَ يكادُ يضعُ: جميلةٌ لم تخرّفْ و لم تُشْت و صيفها عن ربيعها بعيد .أجدى الألم في عينها و في خدّها حمرةً تئنّ أنين الخائف و تتوجّعُ توجّع َ المذعور .معبّأةٌ بصراخ تكتمه فيتسرّح زفيرا و يخرج وهجا من ثغر تأكُلُ الشّفَةُ الشّفَةَ .و نزعتْ من فوق راسها خمارا تخنقُ به أنفاسها فلا تصيح.و تلوي رجلا على رجل كالمصارعة مُغْتَصبًا.يمناها إلى ضفيرةشعرها معقودة تجبدها قوَّةً و يسراها إلى أسفل بطنها المنفوخ كالقابضة على هارب يكاد يفلتُ.و لمّا رأت وجعها في وجهي قالت بصوت ما وعيت حرفه إلاّ أن أدنيتُ سمعي من فمها:
_هداك الله إلى سواء السّبيل ,فهل من سبيل إلى مركز الولادة
ففعلتُ و كأنّنا حملتنَا على ظهرها ريحُ.واسْتُقبلتْ عَجَلًا و وضعتْ على غير مـــهـــل و بكى طفْلُهَا أملًا و سُئلَتْ في أبيه
فقالتْ:قد يكون من أمْرَد متهرّب و سيم أو من كأس عجوز لئيم ,أو من مقيم للصّلاة عليها مديمُ ,أو من لحية نبتتْ في وجه اثيم.
فَقُلْتُ لهَا :من يدْري ,لعلّهُ قد يكون المنتَظَرَ الإمامَ العليم.
و تركتُ المشفى إلى البيت و
"بتُّ قريرَ العين أُعْطيتُ حاجتي أُقبّلُ فاها في المنام فأُكْثرُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق