الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017

دقّة التّعبيرِ القرآني في اسْتخدامِ الألفاظ (التّقديمُ والتّأخير) :المهندس خليل الدّولة

دقّة التّعبيرِ القرآني في اسْتخدامِ الألفاظ (التّقديمُ والتّأخير) :
قالَ تعالى (وللهِ ما في السّمواتِ وما في الأرضِ يغفرُ لِمَنْ يَشاءُ ويُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ والله غفورٌ رحيمٌ) آل عمران 129.
وقالَ تعالى ( وللهِ مُلْكُ السّمواتِ والأرضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ويُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ وكانَ اللهُ غفورًا رحيما) الفتح 14. وقالَ تعالى :
(والسّارقُ والسّارقةُ فاقطَعوا أيديهما جزاءً بما كَسَبا نكالاً من اللهِ واللهُ عزيزٌ حكيم*فَمَنْ تابَ من بعدِ ظُلمِهِ وأصلحَ فإنّ اللهَ يتوبُ عليهِ إنّ الله غفورٌ رحيمٌ* ألم تعلمْ أنَّ اللهَ لهُ مُلْكُ السّمواتِ والأرضِ يُعّذّبُ مَنْ يَشاءُ ويَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ واللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ) المائدة الآيات 38،39،40 .
في الآيتينِ الأولَيَيْنِ بَيّنَ سبحانَهُ بعدَ ذِكرِ السّمواتِ والأرضِ ومُلْكِهِ لهما أنّهُ يَغْفِرُ لِمَنْ يشاءُ مِنْ عبادِهِ ويُعَذّبُ مَنْ يشاءُ مِنْهم ولَهُ في ذلكَ المَعرفةُ التّامّةُ بهم والحِكْمَةُ البالغةُ أيْ فيمَنْ يستَحِقُ المغفرةَ منهم ومَنْ يستحِقُّ العذابَ وهوَ الغفورُ لِمَنْ تابَ مِنْ عبادِهِ الرّحيمُ بهم في كلِّ أحوالِهم.
وفي آياتِ المائدةِ الثلاثِ بَيّنَ سبحانَهُ بعدَ ذِكْرِ عقوبةِ السّارقِ والسّارقةِ وعَرْضِ التّوبةِ عليهما كذلكَ أنَّ لهُ مُلْكُ السّمواتِ والأرضِ يُعّذّبُ مَنْ يشاءُ ويغفرُ لِمَنْ يشاءُ ولهُ القُدْرةُ التّامّةُ على الخَلْقِ والتّدبير، ولكنّنا عندَ التّمَعّنِ في الآيتَينِ الأولَيَيْنِ نجدُ أنّهُ سبحانَهُ قَدَّمَ المغفرةَ على العذابِ وفي آيةِ المائدةِ قدّمَ العذابَ على المغفرةِ فما السّرُّ في ذلك ؟؟
والجوابُ عنهُ أنّهُ سبحانَهُ في الآيتَينِ الأولَيَينِ قدّمَ المغفرةَ على العذابِ لأنَّ صِفَةَ الرّحمةِ والمغفرةِ هيَ الغالبةُ عندَهُ والسّائدةُ لديهِ جاءَ في الحديثِ القدسيِّ (إنَّ رحمتي سَبَقَتْ غَضبي) وكذلكَ الكثيرُ منَ الآياتِ والأحاديثِ الّتي تؤكّدُ هذا المعنى ، وأمّا في آيةِ المائدةِ فقد قَدّمَ العذابَ على المغفرةِ لأنَّ الآيةَ الّتي سَبَقَتْها ذَكَرَتْ عُقوبةَ السّارقِ والسّارقةِ وهي قَطعُ اليَدِ وهيَ عُقوبةٌ شديدةٌ لا شَكَّ في حقِّ مَنْ يرتكبُ هذه الجريمةِ فَناسَبَ أنْ يُقَدِّمَ العذابَ على المغفرةِ إشارةً الى ذلكَ واللهُ أعلمُ . فانظرْ إلى الدّقّةِ في تقديمِ الألفاظِ وتأخيرِها حَسَبَ الحالِ وقلْ سبحانَ الّذي وسِعَ كلَّ شيءٍ عِلْما.
المهندس خليل الدّولة
2017/ 10/

24

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق