الجمعة، 5 يوليو 2019

(( صورة وحكاية...))فادية حسون...

(( صورة وحكاية...))
أيلولٌ شاحبٌ ...
حزم أمتعةَ روحِه الذّابلة...
لملمَ بقايا اليخضور في قلبه المثخن باللاانتماء..
ترمقُه عيدانُ سورِهِ الخشبي بلوعة...
تحاولُ الاحتفاظَ ببقايا بصماتِ كفّيه وهو يدقُّ مساميرَ الأمان في أطرافها....
وتشيّعه بحرقةٍ تربةُ ذاك المكان.. التي كانت تتوضأ بحبيبات عرقِ بؤسه خرافي التقاسيم...
لم يشأ أن يلتفتَ إلى الوراء.. خشية أن تراوده رغبتُه في البقاء عن نفسها ...
فيصبو لها...
شمسُ أيلولَ الخجولة...
كانت تتسيّد عنان المشهد ...
تلقي بظلالها الترابية على الأشياء...
فتكرّس في نفسه الرغبة في الرحيل...
كانت خطواته متثاقلة..
كوقعٍ جنائزيّ الهوى..
تطبعُ مواقع قدميه على الأرض للمرة الأخيرة..
تزقزق وريقات الخريف اليابسة تحت نعليه امتعاضًا وحسرة...
تمامًا كما ميّتٍ يُحتضرُ متأثرًا بسكرات الموت ...
والتي لاتزال لغزًا خفيّا على بني البشر...
انفردَ به الله عزّ وجلّ دونًا عن المخلوقات ..
ظلّ مثبّتًا نظره في نقطة اللانهاية...
علّه يدركُ وجهتَه مجهولة التفاصيل...
لم يكن يأبهُ بصفير العاصفة المباغتة..
التي هيّجتِ الموجدات من حوله..
ظل يمشي ثابت الخطوة شامخ الهامة ..
تصفعُ خدّيه وريقاتُ الخريف بضراوةٍ غيرِ مسبوقة...
كسياطٍ فرّت من زمن العبودية البغيضة..
وأتت لتمارسَ عليه قمعًا استثنائيا..
علّها تثنيه عن قرار الرحيل....
لكنه استجمعَ في ذاته قوةَ ألفِ رجلٍ ..
سوّلت له نفسه أن يعودَ ويقتلعَ تلك الشجرة بساعديه ..
حين شعر أنها سيّرت خلفه جحافل من أوراقها ..
كي تقضّ مضاجعَ القرار في روحه التائقة إلى ركوب المجهول...
مرّ شريطٌ سريعٌ في مخيلته العرجاء...
تذكرَ كم كان يشذّب أغصانها بيديه...
وكم كان يرويها بماء الحب والسلام ...
فكّرَ.. هل يمكن لشجرةٍ أنفقَ على رعايتها عمرّا طويلا ..
أن تمارس عليه طقوس الغدر والخيانة كما البشر؟
كيف يمكن لذاك المخلوق النباتي أن يقابلَ الإحسانَ بالجحود والنكران...
تابع مسيره ساهمًا..
دون أدنى اِلتفاتة..
وكأن روحَه مااهتزّت ولا ربتْ ...
كل مافي الأمر..
أنه تأبّط حلمًا ومضى...

فادية حسون...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق